حينما يكون الانسان متيقظاً ومتنبهاً لنقاوة قلبه، صاحياً عقلاً وروحاً، فإنه من الصعب أن يسقط... ولذلك قال أحد الحكماء: "إن الخطيئة تسبقها إما الشهوة أو الغفلة أو النسيان" فحالة الغفلة والنسيان هى تخدير من الشيطان للإنسان... فينساق الى الخطيئة وكأنه ليس فى وعيه!! ولذلك فى حالة التوبة يقال عنه إنه رجع الى نفسه. أى أنه لم يكن فى وعيه، أو على الأقل لم يكن فى كامل وعيه طوال فترة سقوطه.
** إن الشيطان يخدّر الإنسان، بحيث ينسى كل شئ، ماعدا محبته للخطية. فتكون كل حواسه وأفكاره ومشاعره مركزة فى الخطية وحدها. أما ما عداها فلا يخطر له على بال، وكأنه قد نسيه تماماً تماماً...
ينسى وصايا الله، وينسى مركزه الروحى والإجتماعى، وينسى عبادته واحتراسه، وينسى وعوده لله وتعهداته ونذوره، وينسى ما يمكن أن تسببه الخطيئة من نتائج وأضرار وعار، وينسى عقوبات الله وانذارته. ويكون كأنه مخدر تماماً، لا يعى شيئاً سوى شهوته...
** ولا يصحو لنفسه الا بعد السقوط، حينما يكون كل شئ قد انتهى! وقد يفيق الشخص بعد الخطية مباشرة. وربما بعدها بمدة طويلة.. وهناك من يفيق من تخديره فيتوب، والبعض قد ييأس إن كان قد أفاق بعد فوات الفرصة!
** وانصحك يأخى إن خدّرك الشيطان، أن تفيق بسرعة. واحذر أن تستمر مخدراً بالخطيئة الى أن تصبح عادة، أو يصير من الصعب عليك أن تتخلص منها، أو تكون قد وصلت الى نتائج سيئة جداً...
والنصيحة الثانية أن تستفيد درساً مما مرّ بك، فلا تتساهل مع الخطيئة، بل عليك أن تتوب توبة حقيقية وسريعة، وتغلق امامك كل الأبواب التى أوصلتك الى السقوط.
***
** على أن شيطان التخدير اذا وجد أن فريسته قد أفاق من تخديره، وعزم على التوبة، يسلّمه بدوره الى شيطان التأجيل، الذى يقول له: ولماذا هذا الاسراع؟! وأمامك فرص كثيرة للتمتع بالحياة، ليس من الحكمة أن ترفضها فتندم عليها! والأمر فى يدك، يمكنك أن تتوب فى أى وقت، ولو قبل الموت. ولاشك أن الله الكلى الرحمة يقبل التوبة فى أى وقت كانت مهما تقدم بك العمر..! إذن لا داعى الى الإسراع. ربما التريث يعطينا فرصة لفحص الأمر أكثر، أو لاختيار اسهل السبل للتخلص مما نحن فيه...
** والشيطان يلجأ الى حيلة التأجيل، ليس فقط فى مواجهة نية التوبة عند الانسان، إنما فى كل عمل خير ينوى أن يعمله.
والمقصود بالتأجيل هو إضاعة الحماس للعمل، أو إضاعة الفرصة، أو ترك الموضوع فترة فربما يُنسى أو يحدث ما يغطى عليه، أو تأتى مشغولية كبيرة تستحوذ على كل الإهتمامات والوقت، أو يحدث حادث يتسبب فى التعطيل، أو يتعرض الانسان لخطية تفتر بها حرارته الروحية فلا ينفذ ما قد أجّله...
** لذلك لا تؤجل التوبة. فكثيرون من الذين أجلوّها، لم يتوبوا على الإطلاق، وزال تأثرهم الروحى وضاعت الفرصة منهم...
واعلم أن توالى تأجيل التوبة، قد يعنى رفض التوبة. وقد يعنى قساوة القلب، وإسكات الضمير المتحرك داخلك، وأيضاً الهروب من الله الذى يدعوك اليه.
** إن الفرصة حالياً فى يدك، والحماس فى قلبك. فلا تؤجل التوبة، ولا تؤجل الصلاة، ولا تؤجل أى عمل خير يتاح لك أن تقوم به من نحو غيرك. فهوذا سليمان الحكيم يقول "لا تمنع الخير عن أهله، حين يكون فى طاقة يدك أن تفعله" لا تقل لصاحبك "اذهب الآن وتعال غداً لأعطيك، وموجود عندك"...
واعلم أن "خير البر عاجله" كما يقول المثل... والإسراع فى عمل البر فضيلة، والتباطؤ فيه قد يسبب الندم.
** كثير من الطلبة الذين أجّلوا مذاكرة دروسهم يوماً بعد يوم، تكاثرت عليهم، ووقعوا فى اليأس، وبكوا فى ساعة الامتحان... كذلك فإن المزارعين الذين أدركتهم الحسرة فى موسم الحصاد، كانوا قد أجّلوا إلقاء البذار فى وقت الغرس والزرع. وأيضاً الذين أجّلوا علاج مرض معين، قاسوا كثيراً حينما استفحل المرض وانتشر. وبعض الذين أجّلوا المصالحة مع الأصدقاء أو الأزواج، كان من نتائج ذلك أن تعقدت الأمور وصار الصلح مستحيلاً..
** قد يكون التأنى فى اتخاذ بعض القرارات حكمة، ولكنه فى احيان اخرى يكون خطأً وأحياناً يكون خطراً، ويكون مجرد حيلة فى يد شيطان التأجيل ليفسد كل شئ... قال شاعر
قد يدرك المتاُنى بعض حاجته وقد يكون مع المستعجلِ الزللُ
فأجابهم شاعر آخر بقوله:
وكم أخذّ ببعض الناس بطؤهمو وكان خيراً لهم لو أنهم عجلوا
** لذلك احترس من شيطان التأجيل، لئلاً يقودك شيئاً فشيئاً الى الإهمال، ومنه الى الضياع...
فإن ناداك الضمير، اسرع الى الإستجابة. وإن حثك على عمل الخير، فلا تتوان ساعة ولا لحظة. وإن زحفت الى طبعك عادة خاطئة، فلا تتباطأ فى التخلص منها. وإن شاهدت شعلة تحرق، فلا تؤجل اطفاءها، لئلا تتحول الى حريق مدمر. وباستمرار احذر واحترس من شيطان التأجيل...
لقداسه البابا شنود
منقوووول