السيد/ جبران (جابر) ميخائيل شحاته ـ شماس بالكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية. ومقيم 28 شارع كنيسة الأقباط- الإسكندرية.
نظمت الكنيسة المرقسية باسكندرية رحلة إلى دير الشهيد العظيم مارمينا بمريوط. وكان البابا كيرلس موجودًا هناك في ذلك الوقت. وقد توجهت أنا وزوجتي إلى هناك في سيارة خاصة مع السيد دكتور/ مجدي رمزي إسكندر الذي أصطحب والدته وشقيقتيه.
وقد تحركنا متأخرين عن ركب الرحلة. ولما وصلنا إلى أول (المدق) في الصحراء, ولم نكن نعرف الطريق, كما لم تكن هناك العلامات الحالية التي توضح معالم الطريق, فسرنا بلا دليل مسترشدين بآثار اطارات على الرمال كنا نظن أنها لسيارات الرحلة التي سبقتنا ولكننا فقدنا الطريق إلى الدير, وكنا ندور حول أنفسنا أذ نعود إلى نفس الموضع الذي تحركنا منه وتكرر ذلك عدة مرات.
لقد أنتابنا الخوف والقلق إذ وجدنا أنفسنا في صحراء شاسعة, ولا أثر لانسان يدلنا على الطريق. فنادينا جميعًا من كل قلوبنا "يا مارمينا... يا مارمينا ورينا الطريق". وفي الحال رأيت أمامي على تل مرتفع ـ ورغم سطوع الشمس. أقول رأيت شابًا يرتدي ملابسًا بيضاء, وعلى رأسه عمامة بيضاء, وكان يشير إلينا بيده من بعيد, وهو يسرع نحونا. ولما وصل إلينا سألنا: "إلى أين أنتم ذاهبون؟", وأكمل "إلى الدير؟", فأجبنا "نعم".
قال: "أني أراكم من بعيد, وأكتشفت أنكم ضللتم الطريق فجئت لهذا الغرض". ثم أشار بيده إلى خط السير الذي علينا أن نتبعه. ولكني خوفًا من تكرار ما حدث لنا, على مدى ساعتين تقريبًا, رجوته أن يركب معنا حتى بداية الطريق الصحيح.
وافق الرجل على النور, وركب بجواري. وعند بداية الطريق قال "هنا أول الطريق" ونزل. وضعت يدي في جيبي, فلم أجد من النقود الفكة سوى قطعة فضية من ذات الخمسة قروش. أعطيتها له تعبيرًا عن شعورنا نحوه. ولكنه وضعها في كفه, وقال: "أنا لا آخذ شيئًا". فرجوته أنا وجميع الذين معي أن يأخذها على سبيل البركة, فوافق فشكرناه جميعًا.
ولما قفلنا باب العربة, كانت الغرابة, وكانت الدهشة, أين الرجل؟... لم نجده, فقلنا ـ وبدون أدنى شك ـ أن هذا الشخص كان هو (وأقولها وأنا متصور المشهد الآن) القديس العظيم "مينا العجايبي" صاحب تلك الأرض. وشفيع ذلك المكان. وحفظنا هذا الأمر مستبشرين به جدًا جدًا أذ حول يأسنا إلى أمل وخوفنا إلى هدوء وراحة نفسية وسعادة لا تقدر.
لقد حدث هذا في الذهاب. وفي العودة بعد الظهر حدث أمر عجيب أيضًا. لقد كان حقًا يومًا تاريخيًا سيعيش في ذاكرتنا ما عشنا.
حوالي الساعة الخامسة مساء غادرت الدير عربات الرحلة تباعًا عائدة إلى الإسكندرية. وكنا نحن أيضًا آخر من غادر الدير نظرًا لانشغالنا مع قداسة البابا في بعض الامور. ولم يكن باق في الدير سوى عربة سيدنا البابا وسيارة أخرى (أجرة), أقلت بعض الزوار إلى الدير. تحركنا نحن أولاً, وفي منتصف الطريق الرملي أنفجر أطار السيارة, ولم يكن معنا أطار احتياطي, فما العمل؟
بعد حوالي نصف ساعة وصلت السيارة الاجرة, فركب الدكتور/ مجدي ومعه الاطار لاصلاحه. وبقيت أنا ومعي أربعة سيدات وكانت الساعة قاربت السادسة مساء, ثم وصلت سيارة سيدنا وعرض أن يصطحب معه السيدات ولكنهن آثرنا البقاء معي حتى لا يتركني وحدي. فقال لنا سيدنا "مارمينا معاكم متخفوش".
وفي الحال رأينا على بعد كبير جمالاً تسير في قافلة. وهنا حدث أمر غريب جدًا لم نجد له تفسيرًا, إذ وجدنا جملاً كبيرًا جدًا مقبلاً علينا من مسافة بعيدة للغاية, ولما أقترب منا, تفرس فينا ثم جلس أمامنا (برك على الارض). وصار يتطلع إلينا في هدوء واطمئنان, فسرعان ما هدانا نحن أيضًا, وامتلأنا اطمئنانًا, وشعرنا كأن هذا الجمل بمثابة الحارس في بقعة ليس فيها بشر أو زرع أو نخيل, شعرنا أنه يؤنس وحشتنا. وظل على هذه الحال مدة نصف ساعة تقريبًا, ثم قام من تلقاء نفسه وأدار وجهه نحو الطريق الذي أتى منه وابتعد عنا, فشعرنا لحظتها بالاسف لفراقه وكانت الساعة لحظتئذ السابعة والنصف تقريبًا.
ولكن رحمة الرب كانت بنا واسعة إذ وصل زميلنا بعربة استأجرها وكان الجمل يتحرك أمامنا, إذ لم يكن قد اختفى بعد عن الانظار..
عدنا إلى الإسكندرية, واتجهنا على النور إلى سيدنا البابا كيرلس لنحكي له ما حدث خلال هذا اليوم الحافل, ولنسأله تفسيرًا لهذه الظواهر العجيبة. وقد وجدناه ـ نيح الله نفسه في أحضان القديسين ـ ينتظرنا, وكان منشغلاً علينا جدًا ـ وكان يرسل إلى منزلنا من يسأل عنا.
لقد مجد البابا كيرلس الله كثيرًا, وقال أن مارمينا كان معكم يا أولاد طول النهار, وكان مسرورًا جدًا جدًا بما حدث لنا. وكان فرحًا بشفيعه العظيم القديس مينا حامي هذه الصحراء, وحامي ديره العظيم.