ما ان خيم الظلام على الدير ودخل كل راهب الى قلايته يتلو مزاميره ويرتل تسابيحه ويتأمل انجيله, حتى خرج الراهب الامى بهدوء من قلايته , وتسلل خارج منطقة القلالى وعند الطافوس جلس يبكى وهو يعاتب ربه انه غير قادر على حفظ المزامير ولا حتى على تلاوة الصلاة الربانية ... واخيرا بقى يردد المقطع ابانا الذى فى السموات وهو يفكر فى ابوه الله ويلهج بالشكر من اجل عمل الخلاص.
ما ان طرق الراهب باخوم باب قلاية رئيس الدير باصبعه ثلاث مرات وهو يقول أغابى كعادة الرهبان حتى يفتح الرئيس الباب وقبل كل منهما الاخر:
- سلام يا أبى... جئت أعاتبك فى محبة.
- خيرا.
- لعلك تعرف الراهب الجديد.
- أعرفه تماما... انسان بسيط ومحب.
- هذا لا شك فيه, لكن كيف يلبس زى الرهبنة وهو لا يعرف القرءة فى الكتاب المقدس , ولا يحفظ المزامير , ولا حتى الصلاة الربانية.
- من قال لك هذا؟
سامحنى يا أبى واغفر لى... فقد شدنى منظره فى الصلاة. كنت أشعر أنه قائم فى السماء. تطلعت اليه فوجدت حركات شفتيه رتيبة. وقفت بجواره فوجدته يكرر العبارة أبانا الذى فى السموات دون سواها.
صمت الرئيس قليلا, ثم قال اترك لى هذا الامر يا أبى
وانصرف الراهب باخوم.
ارتبك رئيس الدير بسبب هذا النقاش, ولم يعرف ماذا يفعل , فانه يحب الراهب البسيط ولا يريد ان يطرده , وفى نفس الوقت لا يقدر أن يكسر قانون الدير حتى لا يهمل الرهبان التأمل فى كلمة الله والصلاة بالمزامير والتسبيح.
وفى اليوم التالى التقى رئيس الدير بالراهب , وبعد حديث ليس طويل سأله الرئيس:
- هل تحفظ المزامير يا أبى؟ أرجوك, عرفنى كم مزمور تحفظه عن ظهر قلب؟
- سامحنى يا أبى فاننى اردد صلاتى ما حفظته.
- لابد أن اعرف, لأن قانون الدير يستوجب حفظ اجزاء من الكتاب المقدس والمزامير والتسبحة.
- اننى حفظت قدر ما استطعت يا أبى.
- ان كنت لا تحفظ فسأضطر اطلب منك مغادرة الدير حتى لا تسبب بلبلة فى الدير.
- هل تسمح لى ان اخذ معى قلايتى؟
- اتمزح؟
- لا يا أبى فانى اود ألا افارقها.
ولكى ينهى الرئيس الحديث قال له: خذها أن اردت.
عندئذ صنع الراهب مطانية امام رئيس الدير, وفعل ذات الشىء امام الراهب... وذهب الراهب الى المخزن واحضر حبلا طويلا طوق به قلايته... وصار يسحبها وهو يقول سيرى يا مبروكة... وكم كانت دهشة الاباء حين رأوا المبنى يتحرك وراءه حتى خرج الى أميال. واستقر ليعيش فيه الراهب البسيط المتوحد, الذى لم يقدر أن يحفظ شيئا عن ظهر قلب؟