انتقل إلى الأمجاد السماوية قدس الأب الروحي لدير القديس أنبا مقار القمص متى المسكين الراهب الناسك والعالم القبطي الكنسي الفاضل عن عمر يناهز السابعة والثمانين بعد مرض قصير الأجل. وكان قد نُقل إلى الدير (الساعة الواحدة صباح الخميس 8 يونية 2006) من المستشفى الذي قضى به حوالى 4 أسابيع، حيث وصل جثمانه الطاهر إلى الكنيسة الكبرى الساعة الخامسة فجراً بينما كان مجمع رهبان الدير مجتمعين كالمعتاد يومياً يرتلون التسبحة السنوية ويرفعون بخور باكر ويقدِّمون الذبيحة المقدسة. وبعد انتهاء صلاة القداس الإلهي صلَّى على الجثمان الطاهر إيغومانس الدير(أو الربيتة) والكهنة صلوات طقس الصلاة على المنتقلين. ثم تقدم الرهبان واحداً فواحداً وقبَّلوا الجسد الطاهر وتباركوا منه، ثم حملوا النعش على أكتافهم وزفُّوه بألحان وترانيم القيامة والصعود: المسيح قام من بين الأموات، وصعد إلى السموات، وجلس عن يمين أبيه في السموات. ثم داروا به حول الهيكل، فصحن الكنيسة، ثم خرجوا به خارج الدير حيث سُجِّي في المغارة التى أوصى بمكانها الأب قبل انتقاله بأربع سنوات.
والأب متى المسكين هو الأب الروحي لدير القديس أنبا مقار (من مايو 1969 – 8 يونية 2006 بناء على تكليف رسمي من قداسة البابا الراحل كيرلس السادس). وهو باعث النهضة في الحياة الرهبانية القبطية منذ تركه ممتلكاته ومهنته لانخراطه في سلك الرهبنة عام 1948 في أربعة أديرة : دير الأنبا صموئيل (1948 - 1951)، ثم دير السريان (1951-1956) ثم دير الأنبا صموئيل (1956 - 1959) ثم مغائر وادي الريان (1960 - 1969) وأخيراً في دير أنبا مقار. لقد حمل مسئولية تجديد الحياة النسكية مع الاحتفاظ بالأصالة الآبائية القديمة، وبالإضافة إلى ذلك حمل مشعل العلم والتنوير اللاهوتي والروحي في الكنيسة بنفس منهج الأصالة والرجوع إلى الجذور الإنجيلية والآبائية ولكن مع التقديم العصري المناسب لذهنية الحاضر. ولقد انتقل بالرهبنة من عصر احتضان بسطاء الفكر وغير الجادين في الحياة الدينية إلى الرهبنة المتفانية في العبادة وفي الوقت نفسه المتفاعلة مع الناس بتقديم القدوة الصامتة في الزهد في مشتهيات الأرض الزائلة مقابل خدمة الفقراء والمساكين وبؤساء الأرض الذين ليس أحد يذكرهم. فبأيدي الرهبان يزرعون ويعملون ليُقيتوا أنفسهم بالقليل ويُفرِّحوا قلب المساكين بالكثير. وهذه كانت أعز خدمة ختم بها حياته.