الآوقات العصيبة
كانت علاقتــي بالله لا تتعدى ذهابي للكنيـــسة في أيــام الأعيــاد مع زوجتي وأطفــالي الثلاثة لتناول وجبة أغابي مع المصـــريين ( فقد كنــت مصــريا مهاجرا ) و كانت طفلتــي الصغيرة مصابة بشـــلل الأطفال ، مما جعلها تحتاج لمســاعدة مستــمرة و تبدو دائما بائســة ومنطوية.
و في يوم من الأيام ، حدث أنني شعرت ببعض الأعراض المرضية فقمت بعمل بعض التحاليـــل وإذ بي مصــاب بسرطـان الدم وبدأت رحلة العلاج أو قل رحلة العذاب ولكن حدث أمر زلزل كـياني ، فقد صارحتني زوجتي بأنها لا تستطيع الحياة مع شخص مريض وطفلة تحتاج لرعاية خاصة و ضيق مادي مستمر و أنها قد حصــلت على عقد عمل في بلد أخرى عن طريق إحدى صديقاتها و ..... و وسـط ذهولي ودهشتي وجدتها تمسك بشنطة السفر و تقبل الأولاد مدعية
إنها ستذهب لرحلة قصيرة و فتحت الباب وخرجت.
ولا تسألني عما شعـرت به ، فقد انهرت انهيارا تاما اسـودت الدنيــا في عيني و تزاحمـت الأفكار السـوداء في فكري كيف سأعـيش أنا والأولاد..... طفلتي الصغيرة – حالـتي الصحية – العلاج .... ولـكن كل هذا كـان يمــكن أن يهـون إلا صدمتـي القاســية في زوجتي التي تخلت عنى في هذه اللحظات الحرجة في حياتي.
و بدأت أفكر ما هو الحل ؟ و قررت أن أنتحر وأتخلص من حياتي ، ولكن ماذا عن الأولاد ؟ وهنا طرأت لي فكرة ذكية فقد كان لي صديق مخلص خادم بالكنيسة ، فقررت أن أذهب إليه لأوصيه عليهم و ذهبت إليه فعلا و قلت له : سأذهب لرحلة قد تطول كثيرا ، فاعتنى بأولادي ، لكنه لاحظ المرارة التي أتكلم بها و حدثني كثيرا عن محبة يسوع و معونته الإلهية و القوة الخفية التي بإمكان أولاد الله اللجوء إليها وهم يتناسون ذلك.
و قال لي : اسكب نفسك أمام إلهك كما كان يفعل داود ، ألم يكن يعاتبه ويقول ( إلي متى يارب تنساني ؟ ) ثم يعود و يشعر بالقوة و يرنم " قوتي و تسبحتي هو الرب و قد صار لي خلاصا " و ركعنا معا وصلينا وامتزجت دموعنا و عدت وأنا أشعر بقوة خفية تسري في كياني.
و لا تسألني كيف سارت حياتي بعد ذلك ، فقد انشغلت برعاية أولادي حتى نسيت مرضي و كنت أستيقظ مبكرا ، أضع كل همومي عند قدمي مخلصي الصالح ثم أبدأ العمل و كم كانت سعادتي حين رجعت ابنتي الصغرى من المدرسة و هي تحمل شهادة تفوقها و تدعوني لحضور حفلة أقامتها لها إدارة المدرسة ، حيث التف حولها صديقاتها يقدمن لها الهدايا فقد أصبحت شخصية محبوبة.
وفي يوم تقدم أحد الشباب لخطبة ابنتي ، وقبل الخطوبة بأيام وجدت ابنتي تذرف الدموع و هي تقول لي كم تمنيت أن تكون والدتي معي في هذه الليلة ، لكنى هدأت من روعها وطلبت إليها أن نركع لنصلى معا ليبارك الله الخطوبة.
و هنا طرق الباب و يا لدهشتي ، فقد رأيت زوجتي أمامي بعد غياب سنوات ، و وقع الأبناء في حضن أمهم و هي تبكي و تتوسل إلي أن أغفر لها. تجمعت مرارة السنين و مرت كشريط أمامي ثم لاحت لي نظرة للصليب المعلق أمامي و تذكرت كيف غفر يسوع كل آثامي و كيف أعطاني قوته الإلهية.وللحال تبخرت المرارة من داخلي و رأيت دموع ابنتي تسيل ، فقررت ألا أجعل السعادة تنساب من يدي مرة أخرى و بدأنا حياة سعيدة من جديد.
عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي ( مز 94 : 19