مطبوعات دير السوريان
القديس العظيم يوحنا ذهبي الفم
فبراير 1955
توزع مجانا
يوحنا الزاهد الناسك
ولد سنة 347 م من أسرة غنية, ودرس الخطابة, والفصاحة والمحاماة والفلسفة والمنطق. وكان استاذه يتوقع أن يراه فيلسوفا عظيما يخلفه, كما كان بالامكان أن يصير محاميا مشهورا يرتقي الى أرفع مناصب الدولة. ولكنه زهد في هذا كله, وترك الاستزادة من علوم العالم ليتعمق في الدين ثم عزم على الرهبنة فتوسلت اليه أمه أن يؤجل الأمر حتى يدفنها بجوار عظام أبيه, فلم يشأ ان يحزنها, وأطاعها عائشا بالنسك في بيته في وحدة وانفراد مواظبا على الأصوام, والسهر في الصلوات, والنوم على الأرض متعبا جسده بالتقشفات الشديدة, مداوما على الاختلاء, مغلوقا عليه في مسكنه الخاص لا يقبل زيارة من أحد.
ولما عزم الأساقفة على رسامته أسقفا وهو في الخامسة والعشرين من عمره, هرب الى أحد الجبال القريبة من انطاكية, وعاش حياة نسكية صارمة متتلمذا على أحد السواح لمدة أربع سنوات. واذ آثر أن يكون منسيا من الناس بالأكثر, مضى الى مغارة بعيدة حيث قضى فيها سنتين مواظبا على الصلاة والنسك ومطالعة الكتاب المقدس والتأمل فيه حتى حفظ الكثير منه غيبا. ولكن المرض ألزمه أن يعود الى انطاكية حيث رسم شماسا ثم قسا.
وكما زهد العلوم والوظائف والشهرة العالمية, وكما هرب من الأسقفية, كذلك كان زاهدا في الرئاسة الدينية, ولكنهم اختطفوه بحيلة معينة وساموه بطريركا على القسطنطينية سنة 398 م رغما عنه.
وفي البطريركية عاش أيضا ناسكا زاهدا, بسيطا جدا في ملبسه ومأكله وأثاث مسكنه. وكان منظره نحيفا هزيل الجسم. والأموال التي استطاع أن يوفرها من مصروفات البطريركية أسس بها دارا لضيافة الغرباء ومستشفى.
يوحنا الواعظ والمفسر
يكاد هذا القديس أن يكون أعظم واعظ في المسيحية في كل عصورها. وكان الناس يزدحمون لسماعه أفواجا. وكان محبوبا جدا من الشعب رغم شدته في توبيخ الخاطئين. وقد حول جماهير من الموعوظين الى الايمان. وكان بعض الأريوسيين يأتون لسماعه فيتأثرون به ويرجعون عن هرطقاتهم. وتفسيره للكتاب المقدس آية في المعرفة والعمق الروحي. ليس عجبا اذن أن يلقب ""ذهبي الفم""
يوحنا البطريرك الشجاع
عندما تبوأ ذهبي الفم مركزه العظيم كبطريرك للقسطنطينية وجد عبئا ثقيلا أمامه: كانت المدينة مليئة بالمسارح والملاعب, والشعب منهمكا في اللهو. وكان الفساد سائدا في القصر الامبراطوري, والامبراطورة ذاتها كانت متبرجة وكذلك حاشيتها. وحتى رجال الدين كانت غالبيتهم منهمكة في التنعم والترف مع اهمال الرعية. وأما الشعب فكثير منه كانوا مسيحيين حسب الظاهر.. وكانت هناك بقايا للوثنية وهرطقة أريوس.
أمام كل هذا وقف يوحنا العظيم كبطل يحارب الفساد في كل نواحيه. ولم يخف من أصحاب المناصب العالية بل كان يؤنبهم بشدة في أخطائهم, حتى أن الامبراطور نفسه لم يسلم من توبيخه. أما عن رؤساء الدين الفاسدين ففي جولة رعوية له عزل حوالي 16 أسقفا غير مبال بما كان لبعضهم من سطوة وقوة. ولم يكن يرضى عن تصرف الامبراطورة وحاشيتها, وكثيرا ما كان يلمح في عظاته بكلام تعتبره اهانة لها وجرحا لكبريائها. ويقال انه منعها في يوم عيد من دخول الكنيسة لأنها لم تستجب له في انصاف أرملة ظلمتها هذه الامبراطورة.
واتحد أعداء ذهبي الفم جميعهم ضده وعلى رأسهم الامبراطورة التي كان الامبراطور خاضعا لتأثيرها. وأصدر الامبراطور أمره بنفي القديس وازدحم الشعب حول مسكن البطريرك ليلا ونهارا لحمايته, ولكن حرصا على سلامة الشعب خرج القديس خفية مسلما نفسه للجند. وفي ثاني ليلة لنفيه حدثت في المدينة زلزلة مخيفة جدا, فارتاعت الامبراطورة واستصدرت من الامبراطور أمرا بارجاع البطريرك من منفاه وهنأته بنفسها على رجوعه, واستقبله الشعب بفرحة لا توصف.
ثم أقامت الامبراطورة تمثالا لها في الساحة القريبة من كنيسة أجيا صوفيا, وأزعجت المصلين في الكنيسة بضوضاء حفلاتها الخليعة, فهاجم ذهبي الفم هذا الوضع, وعاد الخلاف, واتحدت الامبراطورة مع أعداء القديس من الأساقفة وصدر الأمر بنفيه مرة أخرى. فنفي بعد مذابح اعتدى فيها الجنود على الكنيسة. وقد توفى القديس في منفاه سنة 407 م وتعيد له الكنيسة القبطية في 17 هاتور و 12 بشنس.
بركة صلاته فلتكن معنا. آمين
منقووول